تفضلوا أيضًا بزيارة وقراءة مدونتي الإنجليزية

Monday, October 29, 2012

فاتك نص عمرك!


"فاتك نص عمرك!"

جُمْلَةٌ تُقَالُ لِمَنْ فَاتَهُ حَدَثٌ عَظِيْمٌ أَوْ تَجْرِبَةٌ فَرِيْدَةٌ مِنْ نَوْعِهَا أَوْ لِمَنْ لَمْ يَسْتَسِغْ أَمْرَاً غَالِبِيَّةُ النَّاسِ تَعْتَبِرُهُ مَحْبُوباً مُحَبَّذًا وَمُمْتِعًا. هِيَ بِالطَّبْعِ صِيْغَةُ مُبَالَغَةٍ، فَلَيْسَ مِنَ المَعْقُولِ مُسَاوَاةُ أَمْرٍ وَاحِدٍ مَهْمَا كَانَ مُهِمًّا أَوْ مُمَيَّزَاً بِمَجْمُوعِ أَحْدَاثِ نِصْفِ عُمْرٍ. وَلَو أَعَرْنَا اِهْتِمَاماً لِكُلِّ أَمْرٍ قِيْلَتْ فِيْهِ هَذِهِ الكَلِمَاتُ لَاحْتَجْنَا لِأَنْ نَعِيْشَ أَضْعَافَ أَضْعَافِ أَعْمَارِنَا لِلتَّعْوِيضِ عَمَّا "فَاتَنَا". إِلَّا أَنَّنِيْ سَأَتَحَدَّثُ هُنَّا عَنْ حَدَثٍ فَاتَنِيْ مُؤَخَّرًا قَدْ تَنْطَبِقُ عَلَيْهِ الجُمْلَةُ المَشْهُورَةُ ذَاتُهَا، أَيْ أَنَّنِيْ بِتَفْوِيتِيَ هَذَا الحَدَثِ قَدْ فَاتَنِيَ بِالفِعْلِ نِصْفُ عُمْرِيَ!

أَتَوَاجَدُ حَالِيًّا فِيْ كَنَدَا، حَيْثُ عِشْتُ فِيْهَا طَالِبًا مُبْتَعَثًا السَّنَتَيْنِ المَاضِيَتَيْنِ، وَمَا زَالَ طَرِيْقُ الدِّرَاسَةِ أَمَامِيَ طَوِيْلًا وَصَعْبًا، لَكِنِّيْ اخْتَرْتُ تَحَمُّلَ هَذِهِ الحَيَاةِ وَعَنَاءَهَا وَصُعُوبَتَهَا وَأَلَمَ فِرَاقِ الأَحِّبَةِ وَوَحْشَةَ الغُرْبَةِ أَمَلًا وَطُمُوحًا فِيْ مُسْتَقْبَلٍ أَفْضَلٍ وَعِيْشَةٍ أَكْرَمٍ. رَزَقَنِيَ اللهُ بِمَولُودَتِيَ الأُولَىْ هُنَا فِيْ بِلَادِ الغُرْبَةِ، وَالحَمْدُ لَهُ وَالشُكْرُ فَقَدْ كَبُرَتْ بِصِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ حَتَّىْ قَارَبَتْ عَلَىْ إِتْمَامِ سَنَتِهَا الأُولَىْ، لِكَنِّيْ لَا أَمْلِكُ إِلَّا أَنْ أُحِسَّ بِقَدْرٍ مِنَ الحُزْنِ، فَقَدْ كَبُرَتْ بَعِيْدًا عِنْ أَهْلِهَا، فَلَا هِيَ عَرَفَتْهُمْ وَلَا هُمْ فَرِحُوا بِوُجُودِهَا بَيْنَهُمْ، لَنْ تَرَهُمْ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً مِنْ كُلِّ عَامٍ وَلِسَنَوَاتٍ عِدَّةٍ قَادِمَةٍ حَتَّىْ أَنْتَهِيَ وَأُمَهَا مِنْ دِرَاسَتِنَا --وَكَأَنَّهَا سَتَنْتَهِيْ يَومًا--.

الحَمْدُ لِلهِ! مَا زِلْتُ أَحْمَدُ رَبِّيْ عَلَىْ نِعَمِهِ التَّيِ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَىْ، فَحَالِيْ أَفْضَلُ مِنْ مَلَايِينِ البَشَرِ غَيْرِيْ...

مَا أَرَدْتُ التَّحَدُّثَ عَنْهُ هُنَا أَنَّ لِيَ مِنَ الإِخْوَةِ ثَلَاثَةٌ، أُنْثَىً وَاثْنَانِ مِنَ الذُّكُورِ، وَبِذَلِكَ تُعْتَبَرُ عَائِلَتِيْ صَغِيْرَةً بِالنِّسْبَةِ لِلْنَّمَطِ السَّائِدِ لِلْعَوَائِلِ فِيْ مُجْتَمَعِنَا. قَبْلَ سَنَوَاتٍ أَرْبَعٍ تَزَوَّجْتُ أَنَا وَلَمْ يَكُنْ قَدْ مَرَّ عَلَىْ زَوَاجِ اُخْتِيْ سِوَىْ شَهْرٍ وَاحِدٍ، لِذَا كَانَتْ تِلْكَ الفَتْرَةُ بِالنِّسْبَةِ لِيْ مُنَاسَبَةً سَعِيْدَةً وَاحِدَةً اِمْتَدَّتْ عَلَىْ مَدَىْ أَسَابِيْعَ عِدَّةٍ. عِنْدَمَا أَتَذَكَّرُ هَذِهِ المُنَاسَبَةِ أُذْهَلُ كَيْفَ أَنَّنَا وَفِيْ لَمْحِ البَصَرِ لَمْ يَبْقَ مِنَّا سِوَىْ اِثْنَيْنِ أَعْزَبَيْنِ، وَلِأَنَّ لَا فَرْقَ بِالنِّسْبَةِ لِيْ بَيْنَ زَوَاجِيَ وَزَوَاجِ أُخْتِيَ فَقَدْ كُنَّا نَسْتَعِدُّ لَهُمَا مَعًا، لَمْ يَبْقَ لِيْ سِوَىْ أَخَوَيَّ أَتَطَلَّعُ لِلْحُضُورِ وَالمُشَارَكَةِ فِيْ زَفَافِهِمَا، ذَلِكَ الأَمْرُ الَّذِيْ كَانَ يَبْدُوْ بَعِيْدًا جِدًّا فَلَمْ أَتَوَقَّعْ حُصُوْلَهُ إِلَّا بَعْدَ نِصْفِ عَقْدٍ مِنَ الزَّمَنِ عَلَىْ أَقَلِّ تَقْدِيْرٍ.

أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ سَنَوَاتٍ بِقَلِيْلٍ وَإِذَا بِأَخِيْ "أَحْمَد" يَتَقَدَّمُ لِلْخِطْبَةِ! ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَشْهُرٍ تَمَّ تَحْدِيْدُ مَوْعِدِ الزَّفَافِ... وَمُنْذُ ذَلِكَ الوَقْتِ وَالسُّؤَالُ يَتَكَرَّرُ: كَيفَ سَأُوَفِّقُ بَيْنَ أُمُورِ الاِبْتِعَاثِ وَبَيْنَ مَوْعِدِ زَفَافِ أَخِيْ، وَهَلْ سَأَتَمَكَّنُ مِنْ حُضُوْرِ الزَّفَافِ أَمْ لَا؟

مَرَّتِ الأَيَّامُ وَالأَسَابِيْعُ وَحَتَّىْ اللَحْظَةِ الأَخِيرَةِ بَقِيْتُ مُتَمَسِّكًا بِأَمِلِ أَنْ أَتَمَكَّنَ مِنَ الحُضُورِ، لَكِنْ شَاءَ العَلِيُّ القَدِيْرُ أَلَّا أَكُوْنَ مِنَ الحَاضِرِيْنَ، فَجَعَلَ الظُرُوفَ مِنْ حَوْلِيْ مَوَانِعًا...

الآنَ وَقَدْ أَصْبَحَ زَفَافُ أَخِيْ جُزْءًا مِنْ مَاضٍ لَمْ أَعِشْهُ أَقُوْلُ بِأًنَّنِيْ قَدْ فَاتَنِيْ نِصْفُ عُمْرِيْ! هُمَا أَخَوَانِ كُنْتُ أَتَطَلَّعُ لِزَوَاجِهِمَا، أَيْ أَنَّهُمَا زِيْجَتَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا طَوَالَ حَيَاتِيْ، فَعِنْدَمَا فَاتَتْنِيْ إِحْدَاهُمَا حَقَّ لِيَ أَنْ أَقُوْلَ بِأَنَّهُ قَدْ فَاتَنِيْ نِصْفُ عُمْرِيْ!

عَزَّ عَلَيَّ وَأَنَا أَكْبَرُ إِخْوَتِيْ أَنْ أَكُوْنَ الأَبْعَدَ عَنْ هِذِهِ المُنَاسَبَةِ السَّعِيْدَةِ، عَزَّ عَلَيَّ أَلَّا أَكُونَ الرَّجُلَ الأَوَّلَ وَالمُعْتَمَدُ فِيْ الإِشْرَافِ وَالتَّنْظِيْمِ لِأُمُورِ الزَّفَافِ، عَزَّ عَلَيَّ أَلَّا أَكُوْنَ المُسْتَشَارَ الأَوَّلَ لِأَخِيْ أَثْنَاءَ بِنَاءِهِ عُشَّ الزَّوْجِيَّةِ، وِلِمْ أَتَخَيَّلْ يَومًا أَلَّا أَكُونَ أَوَّلَ المُسْتَقْبِلِينَ وَالمُحَيِّيْنَ لِلْضُّيُوفِ وَالمُهَنِّئِينَ يَومَ تَزْوِيْجِهِ. كُنْتُ أَتَمَنَّىْ إِزَالَةَ كُلِّ حِمْلٍ مُتَعَلِّقٍ بِهَذِهِ المُنَاسَبَةِ عَنْ ظَهْرِ أَبِيْ وَأَقُوْمَ بِهِ بِنَفْسِيْ كَيْ يَتَفَرَّغَ أَبِيْ لِأَمْرٍ وَاحِدٍ فَقَطْ: أَنْ يَفْرَحَ وَيَسْتَمْتِعَ بِتَزْوِيجِ اِبْنِهِ...

كُلُّ ذَلِكَ فَاتَنِيْ إِلَىْ غَيْرِ عَوْدَةٍ! بَلْ حَصَلَ عَكْسُ ذَلِكَ تَمَامًا، فَبَدَلَ أَنْ تَكُونَ لِيْ كُلُّ تِلْكَ المَهَامِ الَّتِي ذَكَرْتُ وَأَكْثَرُ أَصْبَحْتُ نَكِرَةً لَا دَورَ لِيْ وَلَا ذِكْرَ وَلَا حَتَّىْ وُجُوْدٌ. أَسْمَعُ عَنِ الأَحْدَاثِ مِنْ عَلَىْ بُعْدِ آلَافِ الأَمْيَالِ وَكَأَنِّيْ شَخْصٌ غَرِيْبٌ، وَأَتَجَوَّلُ بَيْنَ صُوَرٍ لِلأَهْلِ وَالمُهَنِّئِيْنَ عَلَىْ يَقِيْنٍ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَلْ مِنَ المُسْتَحِيْلِ أَنْ أَجِدَ نَفْسِيْ بَيْنَهَمْ، لَكِنِّيْ عَلَىْ الرُّغْمِ مِنْ ذَلِكَ أَظَلُّ أَتَمَنَّىْ أَنْ أَجِدَ بِقُدْرَةِ قَادِرٍ صُوْرَةً لِيْ تَقُوْلُ بِوُجُوْدِيْ هُنَاكَ!

كَانَتِ المُفَاجَأَةُ حِيْنَ أَرْسَلَتْ لِيْ أُخْتِيْ هَذِهِ الصُّورَةِ المَأْخُوذَةِ يَومَ الزَّفَافِ:



فَقَدْ كَانَ هَذَا مَا فَعَلْتُهُ أَنَا سَابِقًا مَعَ أَحِدِ أَعَزِّ أَصْدِقَائِيْ حِيْنَمَا فَاتَهُ حُضُورِ زَفَافِ صَدِيْقِنَا العَزِيزِ لِظُرُوفٍ مُشَابِهَةٍ، الفَرْقُ أَنَّنِيْ أَصْبَحْتُ مَنْ بِدَاخِلِ البُرْوَازِ بَدَلًا مِنْ حَامِلِهِ.


إِلْتِفَاتَةٌ لَطِيْفَةٌ مِنْ أَهْلِيْ، لَكِنَّهَا لَا تَنْفِيْ أَنْ فَاتَنِيْ نِصْفُ عُمْرِيْ، وَأَخْشَىْ مِنْ فَوَاتِ النِّصْفِ الآخَرِ...

عَلَىْ أَيَّةِ حَالٍ، يَظَلُّ قَلْبِيْ مَعَهُمْ يُشَارِكُهُمُ الفَرْحَةَ وَلَوْ نَاقِصَةً وَيُبَارِكُ لِأَخِيْ وَلِعَرُوسِهِ السَّعِيْدَةِ وَيَتَمَنَّىْ لَهُمَا حَيَاةً مِلْؤُهَا الحُبُّ وَالسَّعَادَةُ وَيَسْأَلُ اللهَ لَهُمَا التَّوْفِيقَ.

أَلْفُ أَلْفِ مَبْرُوكٍ أَخِيْ العَزِيْزُ، وِإِنْ شَاءَ اللهُ لَنَا لِقَاءٌ قَرِيْبٌ...