تفضلوا أيضًا بزيارة وقراءة مدونتي الإنجليزية

Thursday, February 14, 2013

ثَلَاثُمِائَةٍ...

تَنْبِيْهٌ: لَا أَقْصِدُ بِالثَّلَاثِمِائَةِ فِيلْمَ هوليوود الشَّهِيْرَ المُسَمَّى بِهَذَا الرَّقَمِ! وَعَلَىْ الرُّغْمِ مِنْ تَطَابُقِ عُنْوَانِ هَذِهِ المَقَالَةِ مَعَ عُنْوَانِ الفِيلْمِ إِلَّا أَنَّنِيْ لَمْ أَقْصِدْ هَذَا التَّطَابُقَ وَلَمْ أَنْتَبِهْ لَهُ إَلَّا بَعْدَ كِتَابَةِ العُنْوَانِ.

ثَلَاثُمِائَةٍ... هِيَ مُلَاحَظَةٌ أَخَذْتُهَا عَلَىْ نَفْسِيْ، حَيْثُ لَاحَظْتُ أَنَّ كُلَّ كِتَابَاتِيَ -وَالتِّي لَمْ أَنْشُرْ مُعْظَمَهَا وَأَحْتَفِظُ بِهَا لِنَفْسِيَ- لَهَا تَقْرِيبًا نَفْسُ الطُّولِ. عَدَدْتُ كَلِمَاتِ كُلِّ مَقَالَةٍ مِنْهَا، وَكَانَتِ المُفاَجَأَةُ بِأَنَّ غَالِبِيَّتَهَا تَحْوِيْ مَا يُقَارِبُ الثَّلَاثَمِائَةِ كَلِمَةٍ، تَزِيْدُ عَنْهَا أَو تَنْقُصُ قَلِيْلًا. أَثَارَ فُضُولِيَ هَذَا الاِكْتِشَافُ الَّذِي اِكْتَشَفْتُهُ عَنْ نَفْسِيَ، وَرُحْتُ أَتَسَاءَلُ: لِمَاذَا أَقِفُ دَائِمًا عِنْدَ ثَلَاثِمِائَةِ كَلِمَةٍ؟ لِمَاذَا أَجِدُ صُعُوبَةً فِيْ كِتَابَةِ المَزِيْدِ وَكَأَنَّ الثَّلَاثَمِائَةِ هِيَ حَدِّيَ الأَقْصَىْ؟ لِمَاذَا حَتَّى وَإِنْ كَانَ فِيْ خَاطِرِيْ الكَثِيْرُ مِمَّا أَوَدُّ قَوْلَهُ، تَخُونُنِيْ الكَلِمَاتُ بِمُجَرَّدِ وُصُوْلِيْ الكَلِمَةَ رَقْمَ ثَلَاثِمَائِةٍ؟

كُنْتُ فِيْمَا سَبَقَ أُفَكِّرُ فِيْ كِتَابَةِ مَوْضُوعٍ آخَرٍ بِعُنْوَانِ "عَشَرَةُ أَسْطُرٍ!". أَتَتْنِيَ الفِكْرَةُ عَابِرَةً وَنَسِيْتُهَا قَبْلَ أَنْ أَكْتُبَهَا، وَالآنَ عِنْدَ كِتَابَتِيْ لِلأَسْطُرِ السَّابِقَةِ تَذَكَّرْتُهَا. وَحِيْنَ أُفَكِّرُ فِيْ مَضْمُونِ الفِكْرَتَيْنِ "ثَلَاثَمِائَةِ كَلِمَةٍ" وَ"عَشَرَةُ أَسْطُرٍ" أَرَاهُمَا مُتَشَابِهَيْنِ جِدًّا -مَعَ اخْتِلَافِ الحَجْمِ طَبْعًا-.

سُؤَالٌ لَطَالَمَا سَأَلْنَاهُ أَسَاتِذَةَ اللُغَةِ العَرَبِيَّةِ فِيْ حِصَصِ التَّعْبِيْرِ: كَمْ سَطْرًا نَكْتُبُ يَا أُسْتَاذُ؟ فَكَانَ الجَوَابُ: عَشَرَةَ أَسْطُرٍ! طَبْعًا كَانَ هَذَا فِيْ المَرْحَلَةِ الاِبْتِدَائِيَّةِ، وَكُلَّمَا كَبِرْنَا كَبُرَ ذَلِكَ الحَدُّ، لَكِنَّنَا كُنَّا دَائِمًا نَسْأَلُ عَنْ حَدِّ لِلْكِتَابَةِ، وَكُنَّا دَائِمًا نَحْصُلُ عَلَىْ ذَلِكَ الحَدِّ. لَا أَذْكُرُ أَبَدًا أَنَّ أُسْتَاذًا قَالَ لَنَا: اُكْتُبُوا مَا فِيْ خَاطِرِكُمْ، أَطْلِقُوا العِنَانَ لِمُخَيِّلَتِكُمْ وَلِأَقْلَامِكُمْ، اُكْتُبُوا دُونَ أَنْ تَسْأَلُوا عَنْ حَدِّ أَوْ نِهَايَةٍ لِكِتَابَتِكُمْ، اُكْتُبُوا حَتَّىْ لَا يَبْقَىْ لَدَيْكُمْ مَا تَكْتُبُوْهُ!

أَتَسَاءَلُ الآنَ: هَلْ لَا زِلْتُ أُفَكِّرُ بِنَفْسِ الطَّرِيْقَةِ؟! هَلْ مَا زَالَتْ عَقْلِيَّتِيْ مَحْدُودَةً بِفِكْرَةِ "كَمْ سَطْرًا"؟ هَلِ الثَّلَاثُمِائَةِ مَا هِيَ إِلَّا تَطَوُّرُ الأَسْطُرِ العَشَرَةِ؟

إِنْ كُنْتُ كَذَلِكَ، فَيَا وَيْلِيْ! أَنْ يَكُوْنَ جُلُّ مَا اَسْتَطَعْتُ تَحْقِيْقَهُ خِلَالَ سِنِيْنِ عُمْرِيَ هُوَ الاِنْتِقَالُ مِنْ الأَسْطُرِ العَشَرَةِ (وَالَّتِيْ بِخَطِّ يَدِيْ كَانَتْ تُقَدَّرُ بِثَمَانِيْنَ كَلِمَةٍ) إِلَىْ ثَلَاثِمِائَةِ كَلِمَةٍ (أَيْ أَقَلَّ بِقَلِيْلٍ مِنْ صَفْحَتَيْنِ مِنَ الكُرَّاسَاتِ التَّقْلِيْدِيَّةِ)! أَنَّ الثَّلَاثَمِائَةِ مَا هِيَ إِلَّا اِمْتِدَادٌ لَاإِرَادِيٌّ لِفِكْرَةِ "كَمْ سَطْرًا"!

لِمَاذَا نَظَلُّ نُكَرِّرُ ذَاتَ السُّؤَالِ؟ أَهُوَ كَسَلٌ مِنْ جِهَتِنَا وَرَغْبَةٌ لِلاِخْتِصَارِ قَدْرَ الإِمْكَانِ؟ أَمْ هُوَ نَزْعَةٌ دَاخِلِيَةٌ لِتَقْيِيْدِ أَنْفُسِنَا؟ هَلْ تَعْجَزُ عُقُولُنَا عَنِ التَّأْلِيفِ وَالكِتَابَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ مَحْدُودَةً بِحَجْمٍ مُعَيَّنٍ؟ وَهَلْ نَظَلُّ نَتَمَسَّكُ بِهَذَا الحَدِّ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَنْفَلِتَ أَفْكَارُنَا دُونَ سَيْطَرَةٍ؟ هَلْ نَخَافُ مِنْ أَنْ تَفْضَحَ أَقْلَامُنَا أَسْرَارَنَا وَتَكْتُبَ أَكْثَرَ مِمَّا نَوَدُّ الإِفْصَاحَ عَنْهُ إِنْ نَحْنُ أَطْلَقْنَا لَهَا العِنَانَ؟

سَأَلْتُ الكَثِيْرَ مِنَ الأَسْئِلَةِ، فَهَلْ مِنْ مُجِيْبٍ؟!

تَنْبِيْهٌ آَخَرُ: إِنْ قُمْت بِعَدِّ الكَلِمَاتِ فِيْ مَقَالَتِيْ هَذِهِ -بِاسْتِثْنَاءِ التَّنْبِيْهَيْنِ- وَجَدْتّهَا ثَلَاثَمِائَةٍ وَسَبْعَةً وَثَلَاثِينَ! لَمْ يَكُنْ تَوَقُّفِيْ عَنْ الكِتَابَةِ عِنْدَ هَذَا الحَدِّ مُتَعَمَّدًا، إِنَّمَا هُوَ مِصْدَاقٌ لِمَا لَاحَظْتُهُ وَكَتَبْتُ عَنْهُ...

Monday, October 29, 2012

فاتك نص عمرك!


"فاتك نص عمرك!"

جُمْلَةٌ تُقَالُ لِمَنْ فَاتَهُ حَدَثٌ عَظِيْمٌ أَوْ تَجْرِبَةٌ فَرِيْدَةٌ مِنْ نَوْعِهَا أَوْ لِمَنْ لَمْ يَسْتَسِغْ أَمْرَاً غَالِبِيَّةُ النَّاسِ تَعْتَبِرُهُ مَحْبُوباً مُحَبَّذًا وَمُمْتِعًا. هِيَ بِالطَّبْعِ صِيْغَةُ مُبَالَغَةٍ، فَلَيْسَ مِنَ المَعْقُولِ مُسَاوَاةُ أَمْرٍ وَاحِدٍ مَهْمَا كَانَ مُهِمًّا أَوْ مُمَيَّزَاً بِمَجْمُوعِ أَحْدَاثِ نِصْفِ عُمْرٍ. وَلَو أَعَرْنَا اِهْتِمَاماً لِكُلِّ أَمْرٍ قِيْلَتْ فِيْهِ هَذِهِ الكَلِمَاتُ لَاحْتَجْنَا لِأَنْ نَعِيْشَ أَضْعَافَ أَضْعَافِ أَعْمَارِنَا لِلتَّعْوِيضِ عَمَّا "فَاتَنَا". إِلَّا أَنَّنِيْ سَأَتَحَدَّثُ هُنَّا عَنْ حَدَثٍ فَاتَنِيْ مُؤَخَّرًا قَدْ تَنْطَبِقُ عَلَيْهِ الجُمْلَةُ المَشْهُورَةُ ذَاتُهَا، أَيْ أَنَّنِيْ بِتَفْوِيتِيَ هَذَا الحَدَثِ قَدْ فَاتَنِيَ بِالفِعْلِ نِصْفُ عُمْرِيَ!

أَتَوَاجَدُ حَالِيًّا فِيْ كَنَدَا، حَيْثُ عِشْتُ فِيْهَا طَالِبًا مُبْتَعَثًا السَّنَتَيْنِ المَاضِيَتَيْنِ، وَمَا زَالَ طَرِيْقُ الدِّرَاسَةِ أَمَامِيَ طَوِيْلًا وَصَعْبًا، لَكِنِّيْ اخْتَرْتُ تَحَمُّلَ هَذِهِ الحَيَاةِ وَعَنَاءَهَا وَصُعُوبَتَهَا وَأَلَمَ فِرَاقِ الأَحِّبَةِ وَوَحْشَةَ الغُرْبَةِ أَمَلًا وَطُمُوحًا فِيْ مُسْتَقْبَلٍ أَفْضَلٍ وَعِيْشَةٍ أَكْرَمٍ. رَزَقَنِيَ اللهُ بِمَولُودَتِيَ الأُولَىْ هُنَا فِيْ بِلَادِ الغُرْبَةِ، وَالحَمْدُ لَهُ وَالشُكْرُ فَقَدْ كَبُرَتْ بِصِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ حَتَّىْ قَارَبَتْ عَلَىْ إِتْمَامِ سَنَتِهَا الأُولَىْ، لِكَنِّيْ لَا أَمْلِكُ إِلَّا أَنْ أُحِسَّ بِقَدْرٍ مِنَ الحُزْنِ، فَقَدْ كَبُرَتْ بَعِيْدًا عِنْ أَهْلِهَا، فَلَا هِيَ عَرَفَتْهُمْ وَلَا هُمْ فَرِحُوا بِوُجُودِهَا بَيْنَهُمْ، لَنْ تَرَهُمْ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً مِنْ كُلِّ عَامٍ وَلِسَنَوَاتٍ عِدَّةٍ قَادِمَةٍ حَتَّىْ أَنْتَهِيَ وَأُمَهَا مِنْ دِرَاسَتِنَا --وَكَأَنَّهَا سَتَنْتَهِيْ يَومًا--.

الحَمْدُ لِلهِ! مَا زِلْتُ أَحْمَدُ رَبِّيْ عَلَىْ نِعَمِهِ التَّيِ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَىْ، فَحَالِيْ أَفْضَلُ مِنْ مَلَايِينِ البَشَرِ غَيْرِيْ...

مَا أَرَدْتُ التَّحَدُّثَ عَنْهُ هُنَا أَنَّ لِيَ مِنَ الإِخْوَةِ ثَلَاثَةٌ، أُنْثَىً وَاثْنَانِ مِنَ الذُّكُورِ، وَبِذَلِكَ تُعْتَبَرُ عَائِلَتِيْ صَغِيْرَةً بِالنِّسْبَةِ لِلْنَّمَطِ السَّائِدِ لِلْعَوَائِلِ فِيْ مُجْتَمَعِنَا. قَبْلَ سَنَوَاتٍ أَرْبَعٍ تَزَوَّجْتُ أَنَا وَلَمْ يَكُنْ قَدْ مَرَّ عَلَىْ زَوَاجِ اُخْتِيْ سِوَىْ شَهْرٍ وَاحِدٍ، لِذَا كَانَتْ تِلْكَ الفَتْرَةُ بِالنِّسْبَةِ لِيْ مُنَاسَبَةً سَعِيْدَةً وَاحِدَةً اِمْتَدَّتْ عَلَىْ مَدَىْ أَسَابِيْعَ عِدَّةٍ. عِنْدَمَا أَتَذَكَّرُ هَذِهِ المُنَاسَبَةِ أُذْهَلُ كَيْفَ أَنَّنَا وَفِيْ لَمْحِ البَصَرِ لَمْ يَبْقَ مِنَّا سِوَىْ اِثْنَيْنِ أَعْزَبَيْنِ، وَلِأَنَّ لَا فَرْقَ بِالنِّسْبَةِ لِيْ بَيْنَ زَوَاجِيَ وَزَوَاجِ أُخْتِيَ فَقَدْ كُنَّا نَسْتَعِدُّ لَهُمَا مَعًا، لَمْ يَبْقَ لِيْ سِوَىْ أَخَوَيَّ أَتَطَلَّعُ لِلْحُضُورِ وَالمُشَارَكَةِ فِيْ زَفَافِهِمَا، ذَلِكَ الأَمْرُ الَّذِيْ كَانَ يَبْدُوْ بَعِيْدًا جِدًّا فَلَمْ أَتَوَقَّعْ حُصُوْلَهُ إِلَّا بَعْدَ نِصْفِ عَقْدٍ مِنَ الزَّمَنِ عَلَىْ أَقَلِّ تَقْدِيْرٍ.

أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ سَنَوَاتٍ بِقَلِيْلٍ وَإِذَا بِأَخِيْ "أَحْمَد" يَتَقَدَّمُ لِلْخِطْبَةِ! ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَشْهُرٍ تَمَّ تَحْدِيْدُ مَوْعِدِ الزَّفَافِ... وَمُنْذُ ذَلِكَ الوَقْتِ وَالسُّؤَالُ يَتَكَرَّرُ: كَيفَ سَأُوَفِّقُ بَيْنَ أُمُورِ الاِبْتِعَاثِ وَبَيْنَ مَوْعِدِ زَفَافِ أَخِيْ، وَهَلْ سَأَتَمَكَّنُ مِنْ حُضُوْرِ الزَّفَافِ أَمْ لَا؟

مَرَّتِ الأَيَّامُ وَالأَسَابِيْعُ وَحَتَّىْ اللَحْظَةِ الأَخِيرَةِ بَقِيْتُ مُتَمَسِّكًا بِأَمِلِ أَنْ أَتَمَكَّنَ مِنَ الحُضُورِ، لَكِنْ شَاءَ العَلِيُّ القَدِيْرُ أَلَّا أَكُوْنَ مِنَ الحَاضِرِيْنَ، فَجَعَلَ الظُرُوفَ مِنْ حَوْلِيْ مَوَانِعًا...

الآنَ وَقَدْ أَصْبَحَ زَفَافُ أَخِيْ جُزْءًا مِنْ مَاضٍ لَمْ أَعِشْهُ أَقُوْلُ بِأًنَّنِيْ قَدْ فَاتَنِيْ نِصْفُ عُمْرِيْ! هُمَا أَخَوَانِ كُنْتُ أَتَطَلَّعُ لِزَوَاجِهِمَا، أَيْ أَنَّهُمَا زِيْجَتَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا طَوَالَ حَيَاتِيْ، فَعِنْدَمَا فَاتَتْنِيْ إِحْدَاهُمَا حَقَّ لِيَ أَنْ أَقُوْلَ بِأَنَّهُ قَدْ فَاتَنِيْ نِصْفُ عُمْرِيْ!

عَزَّ عَلَيَّ وَأَنَا أَكْبَرُ إِخْوَتِيْ أَنْ أَكُوْنَ الأَبْعَدَ عَنْ هِذِهِ المُنَاسَبَةِ السَّعِيْدَةِ، عَزَّ عَلَيَّ أَلَّا أَكُونَ الرَّجُلَ الأَوَّلَ وَالمُعْتَمَدُ فِيْ الإِشْرَافِ وَالتَّنْظِيْمِ لِأُمُورِ الزَّفَافِ، عَزَّ عَلَيَّ أَلَّا أَكُوْنَ المُسْتَشَارَ الأَوَّلَ لِأَخِيْ أَثْنَاءَ بِنَاءِهِ عُشَّ الزَّوْجِيَّةِ، وِلِمْ أَتَخَيَّلْ يَومًا أَلَّا أَكُونَ أَوَّلَ المُسْتَقْبِلِينَ وَالمُحَيِّيْنَ لِلْضُّيُوفِ وَالمُهَنِّئِينَ يَومَ تَزْوِيْجِهِ. كُنْتُ أَتَمَنَّىْ إِزَالَةَ كُلِّ حِمْلٍ مُتَعَلِّقٍ بِهَذِهِ المُنَاسَبَةِ عَنْ ظَهْرِ أَبِيْ وَأَقُوْمَ بِهِ بِنَفْسِيْ كَيْ يَتَفَرَّغَ أَبِيْ لِأَمْرٍ وَاحِدٍ فَقَطْ: أَنْ يَفْرَحَ وَيَسْتَمْتِعَ بِتَزْوِيجِ اِبْنِهِ...

كُلُّ ذَلِكَ فَاتَنِيْ إِلَىْ غَيْرِ عَوْدَةٍ! بَلْ حَصَلَ عَكْسُ ذَلِكَ تَمَامًا، فَبَدَلَ أَنْ تَكُونَ لِيْ كُلُّ تِلْكَ المَهَامِ الَّتِي ذَكَرْتُ وَأَكْثَرُ أَصْبَحْتُ نَكِرَةً لَا دَورَ لِيْ وَلَا ذِكْرَ وَلَا حَتَّىْ وُجُوْدٌ. أَسْمَعُ عَنِ الأَحْدَاثِ مِنْ عَلَىْ بُعْدِ آلَافِ الأَمْيَالِ وَكَأَنِّيْ شَخْصٌ غَرِيْبٌ، وَأَتَجَوَّلُ بَيْنَ صُوَرٍ لِلأَهْلِ وَالمُهَنِّئِيْنَ عَلَىْ يَقِيْنٍ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَلْ مِنَ المُسْتَحِيْلِ أَنْ أَجِدَ نَفْسِيْ بَيْنَهَمْ، لَكِنِّيْ عَلَىْ الرُّغْمِ مِنْ ذَلِكَ أَظَلُّ أَتَمَنَّىْ أَنْ أَجِدَ بِقُدْرَةِ قَادِرٍ صُوْرَةً لِيْ تَقُوْلُ بِوُجُوْدِيْ هُنَاكَ!

كَانَتِ المُفَاجَأَةُ حِيْنَ أَرْسَلَتْ لِيْ أُخْتِيْ هَذِهِ الصُّورَةِ المَأْخُوذَةِ يَومَ الزَّفَافِ:



فَقَدْ كَانَ هَذَا مَا فَعَلْتُهُ أَنَا سَابِقًا مَعَ أَحِدِ أَعَزِّ أَصْدِقَائِيْ حِيْنَمَا فَاتَهُ حُضُورِ زَفَافِ صَدِيْقِنَا العَزِيزِ لِظُرُوفٍ مُشَابِهَةٍ، الفَرْقُ أَنَّنِيْ أَصْبَحْتُ مَنْ بِدَاخِلِ البُرْوَازِ بَدَلًا مِنْ حَامِلِهِ.


إِلْتِفَاتَةٌ لَطِيْفَةٌ مِنْ أَهْلِيْ، لَكِنَّهَا لَا تَنْفِيْ أَنْ فَاتَنِيْ نِصْفُ عُمْرِيْ، وَأَخْشَىْ مِنْ فَوَاتِ النِّصْفِ الآخَرِ...

عَلَىْ أَيَّةِ حَالٍ، يَظَلُّ قَلْبِيْ مَعَهُمْ يُشَارِكُهُمُ الفَرْحَةَ وَلَوْ نَاقِصَةً وَيُبَارِكُ لِأَخِيْ وَلِعَرُوسِهِ السَّعِيْدَةِ وَيَتَمَنَّىْ لَهُمَا حَيَاةً مِلْؤُهَا الحُبُّ وَالسَّعَادَةُ وَيَسْأَلُ اللهَ لَهُمَا التَّوْفِيقَ.

أَلْفُ أَلْفِ مَبْرُوكٍ أَخِيْ العَزِيْزُ، وِإِنْ شَاءَ اللهُ لَنَا لِقَاءٌ قَرِيْبٌ...

Monday, August 13, 2012

القَارِئُونَ الصَّامِتُونَ وَفيسبوك المُوحِش

أّعْتَذِرُ بِدَايَةً عَنْ تَأَخُّرِيْ قُرَابَةَ الثَّلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَالنِّصْفَ عَنْ نّشْرِ أَيِّ مَوْضُوْعٍ جَدِيْدٍ مُنْذُ أَنْ بَدَأْتُ هَذِهِ المُدَوَّنَةِ، فَعَلَىْ مَا يَبْدُوْ أَنِّيْ مَا زِلْتُ أُعَانِيْ بَعْضَ الصُّعُوْبَاتِ وَأَنَّ مُدَوَّنَتِيْ عَلَىْ الرُّغْمِ مِنْ كَوْنِهَا فِيْ بِدَايَتِهَا إِلَّا أَنَّهَا قَدْ لَا تَسْتَمِرُّ إِلَّا إِذَا أَجْبَرْتُ نَفْسِيْ عَلَىْ مُوَاصَلَةِ الكِتَابَةِ.

أَرَدْتُ أَنْ أُلْقِيَ بَعْضَ الضَّوْءِ عَلَىْ مَا لَاحَظْتُهُ عَلَىْ مَوْقِعِ التَّوَاصُلِ الاِجْتِمَاعِيِّ الشَّهِيْرِ "فيسبوك"...



جَمِيعُ مَوَاقِعِ وَشَبَكَاتِ التَّوَاصُلِ الاِجْتِمَاعِيِّ عَلَى الإِنترنت تَمُرُّ بِمَرَاحِلَ عِدَّةَ أَشْبَهُ مَا تَكُونُ بِدَورَةِ حَيَاةِ كَائِنٍ حَيٍّ، فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مُجَرَّدَ صَفَحَاتٍ إِلكترونية وَكَمًّا مِنَ المَعْلُومَاتِ وَالشَّفَرَاتِ البَرْمَجِيَّةِ، إِلَّا أَنَّ مُحَرِّكَهَا الأَسَاسِيُّ هُوَ التَّفَاعُلُ البَشَرِيُّ الدَّائِرُ دَاخِلَهَا.

تَبْدَأُ تِلْكَ المَوَاقِعُ كَطِفْلٍ رَضِيْعٍ ضَعِيْفٍ لَا حَولَ لَهُ وَلَا قُوَّةَ، يَعْتَمِدُ كُلِّيًا لِنَجَاتِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ عَلَىْ مَجْهُودِ وَالِدَيْهِ وَالقِلَّةِ القَلِيلَةِ مِنَ المُحِبِّيْنَ حَوْلَهُ. لَيْسَ لَدَيْهِ الكَثِيْرُ لِيُقَدِّمَهُ لِلْعَالَمِ، لَا يَعْلَمُ عَنْهُ إِلَّا قَلِيْلُونَ مِنْ حَوْلِهِ. يَكْبُرُ ذَاكَ الطِّفْلُ وَيَشْتَدُّ عُوْدُهُ وَتَتَوَسَّعُ مَدَارِكُهُ وَتَكْثُرُ مَعَارِفُهُ، وَيَنْخَرِطُ فِيْ عَلَاقَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ مُتَشَعِّبَةٍ تَمْلَؤُهَا التَّجَارِبُ المُثْرِيَةُ لِثَقَافَتِهِ. ثُمَّ يَغْدُوْ شَابًّا يَافِعًا قَوِيًّا مُقْتَدِرًا وَلَهُ مِنَ المَعَارِفِ وَالعَلَاقَاتِ الثَّابِتَةِ مَا يَكْفِيْ لِسَدِّ فُضُوْلِهِ وَإِشْغَالِ يَوْمِهِ. لَكِنَّهُ وَبَعْدَ عِزَّتِهِ وَقُوَّتِهِ وَشُهْرَتِهِ، يَبْدَأُ بِالخُمُوْلِ وَالضَّعْفِ تَدْرِيْجِيًّا حَتَّىْ يُصْبِحَ كَهْلًا ضَعِيْفًا، وَعَلَىْ الرُّغْمِ مِنْ مَعَارِفِهِ وَأَصْدِقَائِهِ الكُثُرِ إِلَّا أَنَّهُمْ يَفْتَرِقُوْنَ عَنْهُ وَاحِدًا تِلْوَ الآخَرِ حَتَّىْ يَعُوْدَ وَحِيْدًا كَمَا بَدَأَ، يَعْتَمِدُ كُلِّيًا عَلَىْ أَبْنَائِهِ وَالقِلَّةِ القَلِيْلَةِ مِنَ المُحِبِّيْنَ حَوْلَهُ. ثُمَّ يَصِلُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْمَحْتُوْمِ: يَأْتِيْهِ يَوْمُهُ! وَلِكُلٍّ مِنَّا يَوْمٌ...

هِيَ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِبَنِيْ البَشَرِ وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِمَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الاِجْتِمَاعِيِّ. وَحِيْنَ أَخُصُّ بِالكَلَامِ مَوْقِعَ فيسبوك فَإِنِّيْ أَعْتَقِدُ بِأَنَّهُ الآنَ يَمْضِيْ فِيْ زَمَنِ شَيْخُوْخَتِهِ. لِمْ يَصِلْ لِمَرْحَلَتِهِ الأَخِيْرَةِ قَبْلَ المَوْتِ بَعْدُ، لَكِنَّهُ وَمِنْ دُوْنِ شَكٍّ مَاضٍ إِلَىْ هُنَاكَ. فَبَعْدَ أَنْ بَدَأَ صَغِيْرًا وَمَغْمُوْرًا، ثُمَّ غَدَىْ فيسبوك المَكَانَ الأَضْخَمَ فِيْ عَالَمِنَا كُلِّهِ لِلتَّوَاصُلِ، وَأَصْبَحَ الصَّغِيْرُ وَالكَبِيْرُ يَمْتَلِكُ صَفْحَتَهُ الخَاصَّةَ عَلَىْ فيسبوك؛ نُلَاحِظُ الآنَ أَنَّ أَسْمَاعَنَا تَشَبَّعَتْ مِنْ ذِكْرِ فيسبوك، وَسَئِمْنَا كَلَامَهُ وَمَوَاضِيْعَهُ، وَأَصْبَحْنَا نَبْحَثُ وَنَنْظُرُ إِلَىْ بَدَائِلِهِ، وَأَصْبَحَتْ شَعْبِيَّتُهُ تَتَنَاقَصُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَلَمْ يَعُدْ مِنَ الضَّرُوْرِيِّ عَلَيْنَا أَنْ نَسْأَلَ عَنْهُ وَنَرَاهُ عِدَّةَ مَرَّاتٍ فِيْ اليَوْمِ كَمَا كُنَّا نَفْعَلُ، بَلْ لَنْ يَضُرَّنَا لَوْ لَمْ نَرَهُ لِأَيَّامَ أَوْ حَتَّىْ أَسَابِيْعَ عِدَّةَ مُتَوَاصِلَةً!

أَصْدِقَاءُ فيسبوك القُدَامَىْ وَحُلَفَاؤُهُ مُسْتَاؤُوْنَ لِمَا آلَ عَلِيْهِ حَالُ مَوْقِعُهُمْ مِنَ ازْدِحَامِهِ بِسَوَادٍ عَظِيْمٍ مِنْ أُنَاسٍ لَا يَكْتَرِثُوْنَ لِإِثْرَاءِ هَذَا الصَّرْحِ الاِجْتِمَاعِيِّ بِمَا يَعُوْدُ عَلَيْهِ بِالفَائِدَةِ. وَالمُشْتَرِكُوْنَ الجُدُدَ يَرَوْنَهُ مَكَانًا مُكْتَظًّا وَلَا مَكَانَ لَهُمْ لِلْمُشَارَكَةِ فِيْهِ. وَالأَغْلَبِيَّةُ العُظْمَىْ تَتَكَوَّنُ مِنَ القُرَّاءِ الصَامِتِيْنَ. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُتَابِعُوْنَ مَا حَوْلَهُمُ وَيَقْرَؤُوْنَ أَغْلَبَ مَا يُكْتَبُ، لَكِّنَهُمُ لَا يَنْبِتُوْنَ بِشَفَةٍ وَلَا تَسْمَعُ أَوْ تَقْرَأُ لَهُمُ تَعْلِيْقًا.

الصَّامِتُوْنَ، أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ البَلِيَّةِ! مَتَىْ مَا دَخَلُوْا مَكَانًا وَتَكَاثَرُوْا فِيْهِ أَصْبَحَ ذَاكَ المَكَانُ مُوحِشًا. فَفِيْ بِدَايَةِ الأَمْرِ، كُنْتَ لَا تَلْحَظُ الكَثِيْرَ مِنَ التَّفَاعُلِ لِقِلَّةِ المُشْتَرِكِيْنَ، لَكِنَّهُمْ عَلَىْ الرُّغْمِ مِنْ قِلَّتِهِمْ مُهْتَمُّوْنَ بِاسْتِمْرَارِ وَتَطْوِيْرِ المَوْقِعِ. وَفِيْ ذُرْوَةِ نَشَاطِ المَوْقِعِ تَرَىْ جُمُوْعًا غَفِيْرَةً وَمُشَارَكَاتٍ عِدَّةَ مِنْ أُنَاسٍ لَا زَالُوْا مُهْتَمِّيْنَ، لَكِنْ عِنْدَمَا يَأتِيْ المُتَأَخِّرُوْنَ، الذِّيْنَ سَمِعُوْا الكَثِيْرَ وَلِزَمَنٍ طَوِيْلٍ عَنْ هَذَا المَوْقِعِ وَمِيْزَاتِهِ، وَدَخَلُوْهُ عَلَىْ مَضَضٍ حَتَّىْ لَا يُقَالُ عَنْهُمُ أَنَّهُمْ خَلْفَ الرَّكْبِ؛ يَدْخُلُوْنَ دُوْنَ أَدْنَىْ اِهْتِمَامٍ بِالمُشَارَكَةِ، فَهُمْ هُنَا لِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَقَطْ: "نشوف وش صاير."

يُكْثِرُوْنَ السَّوَادَ فِيْ قَائِمَةِ "الأَصْدِقَاءِ"، لَكِنَّكَ بِالكَادِ تَرَىْ لَهُمْ مُشَارَكَةً أَوْ حَتَّىْ مُجَرَّدَ "إِعْجَابٍ Like". تُحِسُّ بِأَنَّكَ تَتَكَلَّمُ فِيْ قَاعَةِ بِهَا مِئَاتٌ وَرُبَّمَا آلَافٌ مِنَ البَشَرِ، لَكِنَّكَ لَا تَجِدُ مِنْهُمُ غَيْرَ قِلَّةٍ قَلِيْلَةٍ تُعَدُّ عَلَىْ أَصَابِعِ اليَدِ الوَاحِدَةِ مِمَّنْ يَسْتَمِعُوْنَ إِلَيْكَ، وَفِيْ بَعْضِ الأَحْيَانِ لَا تَجِدُ حَتَّىْ أُوْلَئِكَ القِلَّةَ القَلِيْلَةَ حَوْلَكَ لِاِنْشِغَالِهِمْ بِأُمُوْرٍ أُخْرَىْ.

أَضِفْ عَلَىْ ذَلِكَ اِمْتِلَاءَ المَوْقِعِ بِالصَّفَحَاتِ وَالإِعْلَانَاتِ التَّجَارِيَّةِ، والصَّفَحَاتِ الإِخْبَارِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ، وَاِكْتِظَاظِ المَوْقِعِ بِمَا يُنْشَرُ عَلَىْ تِلْكَ الصَّفَحَاتِ عَلَىْ حِسَابِ المُشَارَكَاتِ الشَّخْصِيَّةِ. فَحَتَّىْ لَوْ قَامَ أَحَدُ أَصْدِقَائِكَ بِنَشْرِ خَبَرٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُشَارَكَةٍ مَا، تَجِدُهَا خِلَالَ ثَوَانٍ قَدْ غُمِرَتْ مَا بَيْنَ مِئَاتٍ مِنْ إِعْلَانَاتٍ وَنَشَرَاتٍ لَا تُهِمُّكَ وَلَا تَنْوِىْ قِرَاءَتَهَا، فَتَضِيْعُ بِذَلِكَ وَقَدْ لَا تَعْلَمُ بِوُجُوْدِهَا أَبَدًا!

لِتِلْكَ الأَسْبَابِ التَّيْ ذَكَرْتُهَا وَغَيْرَهَا، أَرَىْ أَنَّ فيسبوك تَحَوَّلَ إِلَىْ مَكَانٍ مُوْحِشٍ لَا أَسْتَلْطِفُ بَقَائِيْ فِيْهِ. تُرَاوِدُنِيْ نَفْسِيْ أَنْ أَتْرُكَهُ وَأَمْضِيْ فِيْ سَبِيْلِيْ، لَكِنَنِيْ أَتَرَدَّدُ حِيْنَهَا خَوْفًا مِنْ أَنْ أَفْقِدَ الاِتِّصَالَ بِالكَثِيْرِ مِنَ النَّاسِ، فَالكُلُّ مَوْجُوْدٌ عَلَىْ فيسبوك! قَدْ يَكُوْنُ خَوْفِيْ مُبَالَغًا فِيْهِ، وَقَدْ أَتَمَكَّنُ يَوْمًا مَا مِنَ التَّحَرُّرِ مِنْ عُقْدَةِ فيسبوك، فَسُبُلُ التَّوَاصُلِ كَثِيْرَةٌ، وَالتَّوَاصُلُ إِنْ نَحْنُ تَعَمَّقْنَا قَلِيْلًا فِيْ مَعْنَاهُ وَجَدْنَاهُ أَبْعَدَ مَا يَكُوْنُ عَنْ طَبِيْعَةِ اِسْتِخْدَامِنَا الحَالِيَّةِ لِمَوَاقِعِ "التَّوَاصُلِ الاِجْتِمَاعِيِّ".

عَلَىْ كُلِّ حَالٍ، لَمْ أَصِلْ بَعْدُ لِمَرْحَلَةِ مُفَارَقَتِهِ، فَلَعَلَّ الحَالَ يَتَغَيَّرُ عَكْسَ مَا تَوَقَّعْتُ، وَلَعَلَّ فيسبوك يَنْتَعِشُ مَرَّةً أُخْرَىْ...

Tuesday, April 24, 2012

خربشاتٌ قدْ لَا ترىْ النورَ أبدًا!

هيَ محاولاتٌ لِلكتابةِ تبدأُ بِفكرةٍ أكتبُهَا فيْ سطرٍ واحدٍ أو أكثرَ بِقليلٍ. بعضهَا -حسبَ ما يشتهيهِ مزاجيْ لحظتهَا- عربيٌّ وبعضهَا انجليزي، تكونُ نواةً لِموضوعٍ مَا، أترُكُهَا لِوقتٍ لاحقٍ لِأكملهَا. مشكلتيْ معَ تلكَ الأسطرِ المتفرقةِ: أنِّي قدْ لَا أرجعُ إليهَا أبدًا! والنتيجةُ هيَ "كشكولٌ" منَ الأفكارِ والعباراتِ القصيرةِ جدًّا غيرِ المكتملةِ. ليستْ كافيةً لأنْ تكونَ مقالاتٍ تُنشَرُ أو حتَّىْ أنْ أعتبرَهَا مُدَوَّناتٍ شخصيةٍ. لكنهَا لًا تَزالُ أفكارًا، ولو وَجَدْتُ منَ الوقتِ مَا يكفيْ واستجمعْتُ منَ العزمِ ما يلزمُ واستثمرْتُ منَ الجُهدِ مَا يُمكِنُ لإكمالهَا لأصبحتْ مقالاتٍ مطولةٍ.

بينَ حينٍ وآخرٍ، أُطِلُّ على ذلكَ الكشكولِ وأحاولُ متابعةَ وإكمالَ بعضِ تلكَ الأفكارِ، لكنْ يصعبُ عليَّ أنْ أسترسلَ فيْ موضوعٍ قَطَعْتُ حبلَ أفكارهِ منذُ زمنٍ حتىْ اهترأتْ أطرافهُ وبلِيَتْ لدرجةٍ يستحيلُ أنْ أربطهَا بحبليَ الجديدِ، خاصةً وأنَّ تلكَ الأفكارَ تكونُ وليدةَ لحظةٍ معينةٍ وظرفٍ معينٍ، فعندَ انتهاءِ تلكَ اللحظةِ وذاكَ الظرفِ، أجدُ صعوبةً فيْ أنْ أرجعَ لحبلِ الفكرةِ القديمِ ذاكَ.

يدفعنيْ ذلكَ لِلبحثِ والبدءِ بحبلٍ جديدٍ وفكرةٍ جديدةٍ. لكنْ مَا إنْ أبدأَ بجديديَ حتىْ أوقفهُ! أضعهُ جانبًا لِلبَتِّ في أمرهِ لاحقًا، وهكذَا دواليكَ...

هيَ فيْ أساسهَا وجوهرهَا "خربشاتٌ"، بهَا القليلُ ممَّا يجولُ فيْ خاطريْ، وقليلٌ ممَّا يشغلُ مُخَيِّلتِيْ، وقليلٌ مما يحيِّرُ عقليْ. أرغبُ فيْ كتابتهَا وتسطيرهَا وتشكيلهَا، كنوعٍ منَ الترويحِ عنِ الذاتِ، وكطريقةٍ للتعمقِ فيْ التفكيرِ فيمَا وراءهَا. مواضيعُ تشدُّني، كانتْ شخصيةً أو اجتماعيةً أو بلديةً أو سياسيةً أو اقتصاديةً أو علميةً أو تكنولوجيةً أو طبيةً أو نفسيةً... إلخ، مواضيعٌ واقعيَّةٌ وأخرىْ خياليَّةٌ؛ أودُّ أنْ أُبدِيَ رأيًا فيهَا أو أناقشهَا أو أُؤلِّفَهَا. لكنِّيْ لمْ أملِكْ أبدًا العزمَ الكافيَ لأمضيَ قُدُمًا وأشاركهَا غيريَ.

أحيانًا أتركُ الموضوعَ لِوقتٍ أكونُ فيهِ أقلَّ انشغالًا، وأحيانًا أخرىْ أتردَّدُ فيْ البتِّ بموضوعٍ لِحساسيتهِ، وأحيانًا أخرىْ يكونُ الموضوعُ عاديًا لكنِّيْ أبالغُ فيْ تخوفيْ منْ ردودِ فعلِ الآخرينَ تجاهَ رأيِّيْ أو أسلوبُ كتابتيْ، وهذَا التردُّدُ والتخوُّفُ قدْ يمتدُ ويستمرُ حتىْ يصبحَ الموضوعُ قديمًا لَا داعيَ للخوضِ فيهِ، أيْ أنَّ الفرصةَ قدْ فاتتنيْ لإبداءِ أيِّ رأيٍ فيهِ.

 كثيرٌ منْ تلكَ الأفكارِ أصوغُهَا كأسئلةٍ عديدةٍ لَا جوابَ لهَا. لَا أعلمُ مَا السببُ، لكنِّيْ بعدَ تسطيرِ الكثيرِ منَ الأسئلةِ أتوقفُ عنِ الكتابةِ قبلَ الخوضِ فيْ الإجاباتِ.  ولربمَا يكونُ هذَا أيضًا أحدَ أسبابِ عدمِ إكماليْ ونشريْ لتلكَ الكتاباتِ.

خلاصةُ القولِ: هيَ خربشاتٌ قدْ لَا ترىْ النورَ أبدًا! خاصةً وإنِ استمرَّيْتُ علىْ هذَا الحالِ...

وَلِأنَّنِيْ لَا أُريدُ أَنْ أَبقىْ علىْ حالتِيْ هذهِ، قرَّرتُ أَنْ أَبدأَ بِمحاولةِ إكمالِ أفكاريَ السابقةِ وإنْ فاتَ أوانُهَا، وأَنْ أكونَ أكثرَ جدِّيةً بِتدوينِ مَا يستجدُّ لديَّ منْ أفكارٍ وخربشاتٍ، عَلِّيْ أتغلَّبُ علىْ مخاوفِيْ وأتمكَّنَ منْ مشاركَةِ العالمَ أفكاريْ. ومَا هذهِ الكلماتُ إلَّا بدايةَ المشوارِ، ولِلحديثِ بقيَّةٌ بِإذنِ اللهِ...