تَنْبِيْهٌ: لَا أَقْصِدُ
بِالثَّلَاثِمِائَةِ فِيلْمَ هوليوود الشَّهِيْرَ المُسَمَّى بِهَذَا الرَّقَمِ!
وَعَلَىْ الرُّغْمِ مِنْ تَطَابُقِ عُنْوَانِ هَذِهِ المَقَالَةِ مَعَ عُنْوَانِ
الفِيلْمِ إِلَّا أَنَّنِيْ لَمْ أَقْصِدْ هَذَا التَّطَابُقَ وَلَمْ أَنْتَبِهْ
لَهُ إَلَّا بَعْدَ كِتَابَةِ العُنْوَانِ.
ثَلَاثُمِائَةٍ... هِيَ مُلَاحَظَةٌ
أَخَذْتُهَا عَلَىْ نَفْسِيْ، حَيْثُ لَاحَظْتُ أَنَّ كُلَّ كِتَابَاتِيَ
-وَالتِّي لَمْ أَنْشُرْ مُعْظَمَهَا وَأَحْتَفِظُ بِهَا لِنَفْسِيَ- لَهَا
تَقْرِيبًا نَفْسُ الطُّولِ. عَدَدْتُ كَلِمَاتِ كُلِّ مَقَالَةٍ مِنْهَا، وَكَانَتِ
المُفاَجَأَةُ بِأَنَّ غَالِبِيَّتَهَا تَحْوِيْ مَا يُقَارِبُ الثَّلَاثَمِائَةِ
كَلِمَةٍ، تَزِيْدُ عَنْهَا أَو تَنْقُصُ قَلِيْلًا. أَثَارَ فُضُولِيَ هَذَا
الاِكْتِشَافُ الَّذِي اِكْتَشَفْتُهُ عَنْ نَفْسِيَ، وَرُحْتُ أَتَسَاءَلُ:
لِمَاذَا أَقِفُ دَائِمًا عِنْدَ ثَلَاثِمِائَةِ كَلِمَةٍ؟ لِمَاذَا أَجِدُ
صُعُوبَةً فِيْ كِتَابَةِ المَزِيْدِ وَكَأَنَّ الثَّلَاثَمِائَةِ هِيَ حَدِّيَ
الأَقْصَىْ؟ لِمَاذَا حَتَّى وَإِنْ كَانَ فِيْ خَاطِرِيْ الكَثِيْرُ مِمَّا
أَوَدُّ قَوْلَهُ، تَخُونُنِيْ الكَلِمَاتُ بِمُجَرَّدِ وُصُوْلِيْ الكَلِمَةَ
رَقْمَ ثَلَاثِمَائِةٍ؟
كُنْتُ فِيْمَا سَبَقَ
أُفَكِّرُ فِيْ كِتَابَةِ مَوْضُوعٍ آخَرٍ بِعُنْوَانِ "عَشَرَةُ
أَسْطُرٍ!". أَتَتْنِيَ الفِكْرَةُ عَابِرَةً وَنَسِيْتُهَا قَبْلَ أَنْ
أَكْتُبَهَا، وَالآنَ عِنْدَ كِتَابَتِيْ لِلأَسْطُرِ السَّابِقَةِ
تَذَكَّرْتُهَا. وَحِيْنَ أُفَكِّرُ فِيْ مَضْمُونِ الفِكْرَتَيْنِ
"ثَلَاثَمِائَةِ كَلِمَةٍ" وَ"عَشَرَةُ أَسْطُرٍ" أَرَاهُمَا
مُتَشَابِهَيْنِ جِدًّا -مَعَ اخْتِلَافِ الحَجْمِ طَبْعًا-.
سُؤَالٌ لَطَالَمَا سَأَلْنَاهُ
أَسَاتِذَةَ اللُغَةِ العَرَبِيَّةِ فِيْ حِصَصِ التَّعْبِيْرِ: كَمْ سَطْرًا
نَكْتُبُ يَا أُسْتَاذُ؟ فَكَانَ الجَوَابُ: عَشَرَةَ أَسْطُرٍ! طَبْعًا كَانَ
هَذَا فِيْ المَرْحَلَةِ الاِبْتِدَائِيَّةِ، وَكُلَّمَا كَبِرْنَا كَبُرَ ذَلِكَ
الحَدُّ، لَكِنَّنَا كُنَّا دَائِمًا نَسْأَلُ عَنْ حَدِّ لِلْكِتَابَةِ، وَكُنَّا
دَائِمًا نَحْصُلُ عَلَىْ ذَلِكَ الحَدِّ. لَا أَذْكُرُ أَبَدًا أَنَّ أُسْتَاذًا
قَالَ لَنَا: اُكْتُبُوا مَا فِيْ خَاطِرِكُمْ، أَطْلِقُوا العِنَانَ
لِمُخَيِّلَتِكُمْ وَلِأَقْلَامِكُمْ، اُكْتُبُوا دُونَ أَنْ تَسْأَلُوا عَنْ
حَدِّ أَوْ نِهَايَةٍ لِكِتَابَتِكُمْ، اُكْتُبُوا حَتَّىْ لَا يَبْقَىْ
لَدَيْكُمْ مَا تَكْتُبُوْهُ!
أَتَسَاءَلُ الآنَ: هَلْ لَا زِلْتُ
أُفَكِّرُ بِنَفْسِ الطَّرِيْقَةِ؟! هَلْ مَا زَالَتْ عَقْلِيَّتِيْ مَحْدُودَةً
بِفِكْرَةِ "كَمْ سَطْرًا"؟ هَلِ الثَّلَاثُمِائَةِ مَا هِيَ إِلَّا
تَطَوُّرُ الأَسْطُرِ العَشَرَةِ؟
إِنْ كُنْتُ كَذَلِكَ، فَيَا
وَيْلِيْ! أَنْ يَكُوْنَ جُلُّ مَا اَسْتَطَعْتُ تَحْقِيْقَهُ خِلَالَ سِنِيْنِ
عُمْرِيَ هُوَ الاِنْتِقَالُ مِنْ الأَسْطُرِ العَشَرَةِ (وَالَّتِيْ بِخَطِّ
يَدِيْ كَانَتْ تُقَدَّرُ بِثَمَانِيْنَ كَلِمَةٍ) إِلَىْ ثَلَاثِمِائَةِ كَلِمَةٍ
(أَيْ أَقَلَّ بِقَلِيْلٍ مِنْ صَفْحَتَيْنِ مِنَ الكُرَّاسَاتِ
التَّقْلِيْدِيَّةِ)! أَنَّ الثَّلَاثَمِائَةِ مَا هِيَ إِلَّا اِمْتِدَادٌ
لَاإِرَادِيٌّ لِفِكْرَةِ "كَمْ سَطْرًا"!
لِمَاذَا نَظَلُّ نُكَرِّرُ ذَاتَ
السُّؤَالِ؟ أَهُوَ كَسَلٌ مِنْ جِهَتِنَا وَرَغْبَةٌ لِلاِخْتِصَارِ قَدْرَ
الإِمْكَانِ؟ أَمْ هُوَ نَزْعَةٌ دَاخِلِيَةٌ لِتَقْيِيْدِ أَنْفُسِنَا؟ هَلْ
تَعْجَزُ عُقُولُنَا عَنِ التَّأْلِيفِ وَالكِتَابَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ مَحْدُودَةً
بِحَجْمٍ مُعَيَّنٍ؟ وَهَلْ نَظَلُّ نَتَمَسَّكُ بِهَذَا الحَدِّ خَوْفًا مِنْ
أَنْ تَنْفَلِتَ أَفْكَارُنَا دُونَ سَيْطَرَةٍ؟ هَلْ نَخَافُ مِنْ أَنْ تَفْضَحَ
أَقْلَامُنَا أَسْرَارَنَا وَتَكْتُبَ أَكْثَرَ مِمَّا نَوَدُّ الإِفْصَاحَ عَنْهُ
إِنْ نَحْنُ أَطْلَقْنَا لَهَا العِنَانَ؟
سَأَلْتُ الكَثِيْرَ مِنَ
الأَسْئِلَةِ، فَهَلْ مِنْ مُجِيْبٍ؟!
تَنْبِيْهٌ آَخَرُ: إِنْ قُمْت
بِعَدِّ الكَلِمَاتِ فِيْ مَقَالَتِيْ هَذِهِ -بِاسْتِثْنَاءِ التَّنْبِيْهَيْنِ-
وَجَدْتّهَا ثَلَاثَمِائَةٍ وَسَبْعَةً وَثَلَاثِينَ! لَمْ يَكُنْ تَوَقُّفِيْ
عَنْ الكِتَابَةِ عِنْدَ هَذَا الحَدِّ مُتَعَمَّدًا، إِنَّمَا هُوَ مِصْدَاقٌ
لِمَا لَاحَظْتُهُ وَكَتَبْتُ عَنْهُ...